أُحُُِّكَ فوق الحب ، فلْتُخَّلدْ العُقبي
أراضية ، هذي الخلائق أم غضبى
أحبُّكَ حبا يجهل الناس كنهه
و يعذر بين الناس من يجهل الحبا
لِحُبِّكَ أحْبَبْتُ البلاد و شعبها
و لولاك لم أعشق بلادا و لا شعبا
و في الحب مثل العِلْْم ما هو قاتل
و كم مُخلِّص قد عُدَّّ إخلاصه ذنبا
وحب مفدي امتد إلى كل روح تجاهد في سبيل الحرية ،وقد مدح كثيرا من القادة ، و يعلل ذلك :
وقَّفْتُ على بُناة المجد شعري
و هِمْتُ بصانعيه فما احتيالي
و عَوَّدَنِي نضالي في بلادي
على مدح البطولة في الرجال(64)
وقد اغترب الشاعر عن وطنه بعد الاستقلال في تونس، و المغرب ليزيد حبا إلى حبه فيقول :
قالوا: هجرت ربوع البلاد وهمت مع الشعر في كل واد
أجَْل فقد بَعُدْتُ لأزداد قُربًا و يَلْهَبَ حب بلادي فؤادي(65)
أيضا قوله : و إن يجحدوني، فحسبي أنّي وَهَبْتُ الجزائر فكري و عمري(66)
لقد بلغ حبه لبلاده درجة إلهية ، فقد وهبها الفكر و العمر لتحيا و هذا أسمى الحب ، كما نلفي حبه الصوفي المثالي الذي أشبه العشق الإلهي و هو حب لوجه الله حيث قال :
وإذا عشقت فشاعر متصوف
مـا صاغ ربك قلبه جلمودا(67)
وهو حب زادة بركة في الحياة وبسطة في العمر ، لأنه حب صادق جميل :
ولي في الحب عمر ليس يفني كأن الحب بادلني الشبابا(68)
ولعل فلسفة الحب عند ه، تمزج بين الجمال و معرفة الله ؛ فهو يرى الجمال دليلا على وجوده:
فتح الجمال إلى الإله طريقة فتعمّق الإيمان و التوحيد
وحبي فيك صوفـي سليـم لـوجه الله لا أرجو ثوابا
و في الحب موهبة و علم و تجربة بلوت بها الصحابا (69)
ويضيف :
و لولا الحب ما أدركت ربِّي و لا حاولت منه اقترابا
و لولا الحب ما خلَّدْتُ شعري بلغت به الذُّرَي أَحَدَ الرِّكَابا(70)
لقد كان حبا ألهمه الشعر و الجمال فهو مصدر وحيه ؛ و تجربة سامية وموهبة و علم و هو لا يقصد غير وجه الله و لا يريد أجرا، فهو حب امتلأ إيمانا وتوحيدا. و التصوف يقوم على أدب الأخلاق و حب الله . و هذه النظرة استقاها من تجاربه الإنسانية الصادقة ، فجاءت إلهاما و إبداعا منحته قوة تسامى بها إلى عالم الحق و الكمال ؛ فهو حب ملهِم للشعر و الجمال :
و لولا الجمال لعشت بليدا ما همت يوما بغزو القلوب(71)
أيها الحب أنت مصدر وحيي أنا لولاك لم أكن بالمجيد(72)
و فؤاد يشـد كـل فـؤاد بعرى الحب و الوفاء و المشاعر(73)